بلا شك، يعتبر فضاء التواصل الاجتماعي بتطبيقاته المتعددة أداة قوية تؤثر بشكل كبير على الوعي والذوق العام في مجتمعاتنا الحديثة. فهو ليس مجرد منصة للتواصل، بل أصبح محورًا مهمًا في تحديد الاتجاهات والميول في مختلف المجالات، بدءًا من السياسة وصولًا إلى مجالات مثل الطعام، الموضة، والديكور.
في دول الخليج العربي، وعلى رأسها قطر، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي نموًا متزايدًا في قدرتها على التأثير في الرأي العام. وقد برزت في مجال الموضة والأزياء العديد من الشخصيات القطرية، وهنَّ محل تقدير واهتمام من قبل الجمهور القطري، حيث بدأت تحل محل الشخصيات العربية أو الخليجية التي كانت تحظى بشعبية كبيرة بين القطريات في مجال الموضة.
في هذا التقرير، سنسلط الضوء على بعض المؤثرات في مجال الأزياء، المعروفات باسم “الفاشونيستا”، اللواتي يعكسن الذوق القطري الشاب في مجال الأزياء وعالم الأناقة. سنتعرف على دورهن وتأثيرهن في تشكيل الاتجاهات والميول في هذا المجال الحيوي.
حسناء مالك: روح الشباب الوثابة تتحدى تقاليد المجتمع في الأزياء
يتميز أسلوب حسناء مالك بالشبابية والحيوية، حيث يتماشى اختيارها مع تفضيلها للألوان الفاتحة والملابس العملية التي تناسب الاستخدام اليومي. على الرغم من تعرضها لانتقادات بسبب تبنيها لأسلوب غير تقليدي في اختيار الملابس، إلا أنها تبرز أن اختياراتها تعكس الذوق الشبابي والبعيد عن التكلف، خاصة فيما يتعلق بالثياب الخاصة بالخروج. تصر حسناء على أن التغييرات في الذوق العام يجب أن تلقى القبول، طالما أنها لا تنتهك الحياء وتتوافق مع احتياجات الشابات القطريات في مختلف المجالات كالتعليم والعمل.
وعلى الرغم من تأثيرها في قطاع كبير من متابعيها على السوشيال ميديا إلا أن بعض المنتقدين لصورها ومنشوراتها يؤكدون أن الملابس التي تعرضها أحياناً ما تتنافى مع الذوق العام خاصة في مخالفتها لأعراف الأزياء القطرية التقليدية الواسعة الفضفاضة، والتي لا تلفت الأنظار.
بينما يعتقد متابعوها أنها تعبر عن الروح العصرية في مجال الأزياء بدون مخالفة لأي قواعد شرعية أو تقليدية، وأن أغلب ما تقدمه من ملابس يراعي حرمة جسد المرأة وقدسيته في الشريعة الإسلامية، وأهمية أن تكون المرأة في نفس الوقت مستمتعة بما ترتديه من ملابس ملاءمة لظروف حياتها من عمل ودراسة وغيرها من النشاطات الحياتية التي باتت جزءاً لا يتجزأ من حياة المرأة القطرية في العهد الحالي.
غزل الشيخ: التحدي الكامل للنظرة التقليدية لأزياء المرأة
غزل الشيخ، المعروفة بوصفها فاشونيستا الموضة العصرية، تتميز بأسلوبها الأنيق والمتجدد في اختيار الأزياء والإكسسوار، وتعتبر مدونة موضة وجمال محبوبة على مواقع التواصل الاجتماعي. وتتمتع غزل بحس فني وذوق رفيع يظهر في تنسيقها المتقن للملابس وتصويرها الجذاب للإطلالات. وبفضل شعبيتها الكبيرة، تحظى غزل بمتابعة واسعة من النساء اللواتي يستلهمن منها أفكاراً لإطلالاتهن.
وتعتبر غزل من بين أبرز الفاشونيستا في العالم العربي اللاتي لات لهن اهتمام بعالم الموضة يتجاوز الملابس إلى الحلي والعطور والسيارات وعالم التصوير، وقد شاركت في العديد من الفعاليات والمهرجانات المتعلقة بالموضة والجمال. تهتم غزل بمشاركة جمهورها تجاربها ونصائحها في مختلف المجالات، بما في ذلك السفر والصحة والعناية بالبشرة.
ويتميز ذوق غزل بطالع يتحدى الأعراف التقليدية للمجتمع القطري العربي المسلم، فأغلب الصور التي تنشرها غزل على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها الانستجرام تظهر فيها وهي غير مرتدية للحجاب الشرعي، وترتدي ملابس أحياناً ما تكون مكشوفة، ولكنها دائماً تراعي ما يمكن أن نسميه الخطوط الحمراء في الأزياء، وإن مالت معظم منشوراتها إلى طراز من الأزياء أقرب للنمط الأوروبي.
وعلى الرغم من ذلك فإن عدد متابعي غزل على منصة إنستجرام وحدها يقترب من الثلاثمائة ألف، وهي تمثل فيما يبدو تطلع شريحة من الشابات القطريات والخليجيات إلى التحرر من قيود النمط التقليدي في الملابس المعتادة إلى آفاق أكثر رحابة من الألوان والتصميمات التي تتناسب مع رؤيتهن لذاتهن.
خلود العلي: محاولة جادة للجمع بين الأصالة والمعاصرة في عالم الأزياء
خلود العلي تتألق بإطلالات جريئة تمزج بين الأزياء التقليدية والحديثة بشكل مميز، حيث تجمع بين العباءة والثوب القطري التقليدي والأثواب الغربية مثل الجينز والسراويل المقلمة. وتهتم خلود بتقديم النصائح حول تنسيق الملابس للفتيات القطريات بطريقة تجمع بين الأناقة والعملية، مؤكدة على أن الاهتمام بالمظهر لا يتعارض مع الراحة. وتسعى خلود باستمرار لعرض أحدث صيحات الموضة ومزج الأزياء ذات الخامات المتنوعة، مثل الجلود والأقمشة الصناعية، بما يعكس ذوقها الرفيع وروح الإبداع في اختياراتها.
ويمكن القول أن خلود تمثل شكلاً من أشكال الاهتمام بالموضة يحاول أن يحترم روح العصر التي لا مفر من أنها تفرض نفسها مع تغير الذوق العام لجيل كامل من السيدات و النساء القطريات، خاصة مع موجات التحرر الفكري و الثقافي التي غيرت تركيبة المجتمع القطري، ولكن خلود في الوقت ذاته لا تهرب مما سمته في بعض منشوراتها “الذوق التقليدي الساحر الذي يحترم خصوصية المرأة ويضفى على حضورها غموضاً ساحراً”، و تؤكد خلود لمتابعاتها في قطر و الخليج أن الثوب التقليدي الخليجي المتمثل في العباءة يمكنه أن يكون حلاً سحرياً لإخفاء عيوب الجسد وتوفير راحة كاملة للمرأة أثناء تحركاتها، خاصة مع النمط الحيوي لحياة المرأة القطرية العصرية.
ويرى المتابعين لعالم الأزياء أن خلود تمثل حلاً وسطاً ما بين الانفتاح الكامل على الثقافة الغربية في عالم الأزياء بما تمثله من قيم تتعارض مع القيم القطرية التقليدية المستمدة من الإسلام وروح المجتمع القطري العربية، وما بين الانغلاق الكامل على الثقافة القطرية العربية التقليدية في مجال الموضة والأزياء وهو ما لن يقاوم الميل الطبيعي للجيل الحديث من القطريات للبحث عن هويتهن الخاصة في الأزياء.
سمر الأحمد: الانطلاق من عراقة التراث إلى رحابة الابتكار
سمر الأحمد، المدونة والمؤثرة في عالم الموضة والجمال، تتميز بأسلوبها الأنيق والمتجدد الذي يلفت الانتباه. وتولي سمر اهتماماً مستمراً بتطوير الزي التقليدي النسائي القطري، وتسعى لتحديثه من خلال التصاميم والإضافات الجديدة، مثل العباءة والحجاب، وتحظى بشعبية كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي. وتشارك سمر متابعيها نصائح وخبرات حول اختيار الأزياء والإكسسوار التي تتناسب مع شخصيتها ومناسباتها المختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم سمر بعرض أحدث المنتجات والخدمات في مجال العناية بالبشرة والشعر والمكياج، بهدف تعزيز ثقة المرأة بنفسها وتشجيعها على التعبير عن أسلوبها الخاص بكل ثقة وجرأة.
ويصف متابعي سمر الذين يبلغون حالياً حوالي النصف مليون على منصة إنستجرام وحدها نمطها بأنه ينطلق من احترام وإعجاب عميق بالثوب التقليدي القطري وخطوطه البسيطة الرشيقة، مع محاولة للتجديد والتحديث من خلال استخدام التطريز والألوان الحديثة واكتشاف آفاق التغيير في النمط التقليدي من الوحدات الزخرفية المستخدمة في تزيين العباءة، مما يسمح بتركيبات وتنويعات لا نهائية من الزخارف التي يمكنها أن تحول كل عباءة لثوب خاص يسمح لصاحبته بالشعور بالتميز والتفرد فيما ترتديه.
والواقع الذي لا يمكن لأي متابع للساحة الاجتماعية القطرية أن يهرب منه أن حضور الفاشونيستا على ساحات مواقع التواصل الاجتماعي له تأثيره الذي لا يمكن الهروب منه في تشكيل الذوق العام والرأي في مسائل الموضة، والتي تتقاطع إلى حد كبير مع القضايا الاجتماعية الكبرى كتحديد الهوية الثقافية و الأخلاقية للأمة، و التي تنبع من منظومة قيمية يتم تحديها و تحديثها بشكل مستمر، بفعل الاحتكاك و التفاعل مع العالم الذي بات قرية صغيرة بفعل هذه الأدوات الإلكترونية، و قدرتاه على الوصول لقلب و عقل الإنسان العربي.